في ذاكرة الطقطاقة ست التوب والعلم
🌍 *“ست التوب والعلم” ذاكرة “الطقطاقة” والاستقلال.. خمس سنين وحزن الراية ما زال أخضر*
-------------------------
اليوم التالي
في فاتحة يناير من العام 1956 كانت الثلاثينية تتوشح (الحرية) ثوباً، كانت الطقطاقة تسبق الجميع لتعلن انتماءها إلى الأرض. كان العلم يحيط بجسمها قبل أن يرتفع في سارية القصر الجمهوري.. سبقت الزعيم الأزهري ومحمد أحمد المحجوب في إعلانهما السودان دولة كاملة السيادة. لم تكن تلك الجسارة غير تتويج للأدوار العظيمة للسيدة القادمة من الرهد أبو دكنة لممارسة الغناء، ولن تنسى أبداً أن تربطه بالنضال ضد المستعمر والمناداة بسقوطه. وهو ما أدى في نهاية المطاف لأن تدفع الثمن بنفيها إلى بربر وكسر سنها وحلاقة شعر رأسها.
العاشر من ديسمبر للعام 2012 كانت (أم درمان) على موعد مع الحزن وهي تحمل (حواء جاه الرسول) إلى مثواها الأخير في مقابر حمد النيل، تنفيذاً لوصية السيدة التي يسبق الكثيرون توصيفها ب(المناضلة)، التي أوصت كذلك بأن يكون آخر مكان تطأه روحها قبل أن يوسدوها تراب القبر منزل الزعيم إسماعيل الأزهري، وهو ما فعله المشيعيون وهم يواصلون مسيرتهم برفقة جثمان الراحلة، من قاموا بمراسم الدفن ساعتها كانوا على يقين بأنهم يدفنون آخر ما تبقى من ذاكرة (الانعتاق). كانت راية الاستقلال تمارس نهارئذٍ رحلة الاختباء الأخير. وطوال سنوات ما بعد الاستقلال كانت حواء مشهداً احتفالياً ثابتاً ولم تخلع شعبية غناء البنات عنها ثوب الانتماء، حتى عقب قرار الرئيس الأسبق للسودان الراحل المشير جعفر نميري بتغيير ألوان العلم واستبداله بعلم جديد بألوان مختلفة. لم يكن علم حواء لينحصر فقط فوق جسدها، فقد كان يرتفع سامياً في المنزل العتيق بأم درمان حيث كانت تقطن حواء الطقطاقة.
خمس سنوات على غياب الطقطاقة عن المشهد السوداني برمته، وبتعبير آخر هي خمس سنوات على (يُتم) الراية التي كانت تحملها في كل الطرقات، وهي لا تخلع ثوبها المنقوش بألوان راية الاستقلال، حيث حكت حواء قصته حين علمت بأن غداً سيعلن الاستقلال فحاكته ذات ليل في حارات أم درمان، ليفاجأ الزعيم الأزهري به وسط الجماهير، قبل أن يرفعه برفقة المحجوب فوق سارية القصر الجمهوري.
ربما لا تتوقعون أن أنامل امرأة أخرى كانت وراء رسم رمز البلاد إلا بعد أن تعلموا أن فرحة عارمة انتابت المعلمة السريرة مكي الصوفي عند إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في 19/12/1955م، دفعتها للتفكير في تصميم العلم بعد أن نظمت قصيدة بعنوان (يا بلدي العزيز اليوم تم الجلاء)، والعلم الذي صممته امرأة ارتدته في يوم عيد البلاد امرأة هي حواء التي لم تكن هناك مظاهرة إلا وكانت تقود رسنها هاتفة: فليحيا الوطن، ما يجعل من ذاكرة رحيلها لحظة للوقوف ولو لوهلة في حضرة الراية التي تم تغيير ألوانها. ولكن وفقاً لنص محمد أحمد المحجوب “ليس المهم أن تكون الألوان زاهية لتروق في نظر رجال الفن وأصحاب الذوق المرهف، إنما المهم هو أن نقدس هذا العلم، وأن نرعاه وندافع عنه ما دمنا قد اخترناه شعاراً لأنفسنا وعزتنا وكرامتنا”.
يصادف يوم غدٍ التاسع عشر من ديسمبر ميقات إعلان الاستقلال من داخل البرلمان، الذكرى التي يحتفي بها كثيرون باعتبارها ميعاد الانعتاق من براثن الاستعمار من جانب، وفي الجانب الآخر محاولة يمكن من خلالها للسودانيين تجاوز ضياع هيبة احتفالهم بالاستقلال لصالح لحظة الاحتفال بدخول عام جديد، هي ذاتها الساعة التي يقوم فيها الاتحاديون بالتجديد السنوي للراية التي يرفعونها أمام منازلهم احتفالاً بالاستقلال، وتأكيداً في الوقت ذاته على الالتزام بقيم الرعيل الأول لا ينسون ساعتها تجديد الهتاف (حررت الناس يا إسماعين والكل بقي سيد يا إسماعين)، ستأتي ذاكرة الاستقلال من داخل البرلمان غداً سيحتفي به مجلس تشريعي ولاية الخرطوممثلما اعتاد أن يفعل، سيرفع الاتحاديون راياتهم في أماكن متعددة وسيعاد تجديد الرايات في بيت الزعيم، لكن كل ذلك سيبقى ناقصاً طالما أن ست التوب العلم ترقد في ذمة الغياب الحضور.
-------------------------
اليوم التالي
في فاتحة يناير من العام 1956 كانت الثلاثينية تتوشح (الحرية) ثوباً، كانت الطقطاقة تسبق الجميع لتعلن انتماءها إلى الأرض. كان العلم يحيط بجسمها قبل أن يرتفع في سارية القصر الجمهوري.. سبقت الزعيم الأزهري ومحمد أحمد المحجوب في إعلانهما السودان دولة كاملة السيادة. لم تكن تلك الجسارة غير تتويج للأدوار العظيمة للسيدة القادمة من الرهد أبو دكنة لممارسة الغناء، ولن تنسى أبداً أن تربطه بالنضال ضد المستعمر والمناداة بسقوطه. وهو ما أدى في نهاية المطاف لأن تدفع الثمن بنفيها إلى بربر وكسر سنها وحلاقة شعر رأسها.
العاشر من ديسمبر للعام 2012 كانت (أم درمان) على موعد مع الحزن وهي تحمل (حواء جاه الرسول) إلى مثواها الأخير في مقابر حمد النيل، تنفيذاً لوصية السيدة التي يسبق الكثيرون توصيفها ب(المناضلة)، التي أوصت كذلك بأن يكون آخر مكان تطأه روحها قبل أن يوسدوها تراب القبر منزل الزعيم إسماعيل الأزهري، وهو ما فعله المشيعيون وهم يواصلون مسيرتهم برفقة جثمان الراحلة، من قاموا بمراسم الدفن ساعتها كانوا على يقين بأنهم يدفنون آخر ما تبقى من ذاكرة (الانعتاق). كانت راية الاستقلال تمارس نهارئذٍ رحلة الاختباء الأخير. وطوال سنوات ما بعد الاستقلال كانت حواء مشهداً احتفالياً ثابتاً ولم تخلع شعبية غناء البنات عنها ثوب الانتماء، حتى عقب قرار الرئيس الأسبق للسودان الراحل المشير جعفر نميري بتغيير ألوان العلم واستبداله بعلم جديد بألوان مختلفة. لم يكن علم حواء لينحصر فقط فوق جسدها، فقد كان يرتفع سامياً في المنزل العتيق بأم درمان حيث كانت تقطن حواء الطقطاقة.
خمس سنوات على غياب الطقطاقة عن المشهد السوداني برمته، وبتعبير آخر هي خمس سنوات على (يُتم) الراية التي كانت تحملها في كل الطرقات، وهي لا تخلع ثوبها المنقوش بألوان راية الاستقلال، حيث حكت حواء قصته حين علمت بأن غداً سيعلن الاستقلال فحاكته ذات ليل في حارات أم درمان، ليفاجأ الزعيم الأزهري به وسط الجماهير، قبل أن يرفعه برفقة المحجوب فوق سارية القصر الجمهوري.
ربما لا تتوقعون أن أنامل امرأة أخرى كانت وراء رسم رمز البلاد إلا بعد أن تعلموا أن فرحة عارمة انتابت المعلمة السريرة مكي الصوفي عند إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في 19/12/1955م، دفعتها للتفكير في تصميم العلم بعد أن نظمت قصيدة بعنوان (يا بلدي العزيز اليوم تم الجلاء)، والعلم الذي صممته امرأة ارتدته في يوم عيد البلاد امرأة هي حواء التي لم تكن هناك مظاهرة إلا وكانت تقود رسنها هاتفة: فليحيا الوطن، ما يجعل من ذاكرة رحيلها لحظة للوقوف ولو لوهلة في حضرة الراية التي تم تغيير ألوانها. ولكن وفقاً لنص محمد أحمد المحجوب “ليس المهم أن تكون الألوان زاهية لتروق في نظر رجال الفن وأصحاب الذوق المرهف، إنما المهم هو أن نقدس هذا العلم، وأن نرعاه وندافع عنه ما دمنا قد اخترناه شعاراً لأنفسنا وعزتنا وكرامتنا”.
يصادف يوم غدٍ التاسع عشر من ديسمبر ميقات إعلان الاستقلال من داخل البرلمان، الذكرى التي يحتفي بها كثيرون باعتبارها ميعاد الانعتاق من براثن الاستعمار من جانب، وفي الجانب الآخر محاولة يمكن من خلالها للسودانيين تجاوز ضياع هيبة احتفالهم بالاستقلال لصالح لحظة الاحتفال بدخول عام جديد، هي ذاتها الساعة التي يقوم فيها الاتحاديون بالتجديد السنوي للراية التي يرفعونها أمام منازلهم احتفالاً بالاستقلال، وتأكيداً في الوقت ذاته على الالتزام بقيم الرعيل الأول لا ينسون ساعتها تجديد الهتاف (حررت الناس يا إسماعين والكل بقي سيد يا إسماعين)، ستأتي ذاكرة الاستقلال من داخل البرلمان غداً سيحتفي به مجلس تشريعي ولاية الخرطوممثلما اعتاد أن يفعل، سيرفع الاتحاديون راياتهم في أماكن متعددة وسيعاد تجديد الرايات في بيت الزعيم، لكن كل ذلك سيبقى ناقصاً طالما أن ست التوب العلم ترقد في ذمة الغياب الحضور.
تعليقات