حقوق الانسان في السودان والدوري الاوروبي
قبل عدة سنوات وفي صالة كبار الزوّار بمطار الخرطوم.. فُوجئ الناس بوزير العدل يُكبِّر ويُهلِّل.. وكان عائداً من (جنيف).. الفرحة تغمره لأن السودان بالكاد نجح في الإفلات من مصيدة التسلل الدولية في حُقُوق الإنسان بفارق صوت واحد.. كان ذلك صوت دولة "كوبا".. أعتى عتاة مُنتهكي حُقُوق الإنسان في العالم..
أمس، ظَلّ كثيرون يتابعون بترقب بالغ -وكأنهم يتفرّجون على الدوري الأوروبي- ينتظرون (نتيجة) السودان في اجتماعات اللجنة الدولية لحُقُوق الإنسان في (جنيف).. رأيت فرحة عارمة في وجوه بعض الرسميين لأنّ السودان نجا من حالة كونه في خانة (سيئ جداً) وظفر بوضع (سيئ) من دون جداً..
هذا (النصر) الكبير!!!! كان حصيلة وفد كبير على رأسه وزير العدل.. ووفد آخر مُوازٍ.. وجيش جرّار من المُؤازرين والمُتابعين.. ومُفاوضات سفيرنا في (جنيف) د. مصطفى عثمان.. واجتهاد وتعب ورهق..
لماذا نفعل هذا؟؟ من قال لكم إن حُقُوق الإنسان السوداني هناك في (جنيف) أو في (نيويورك) حيث تُعقد الامتحانات الموسمية لحكومتنا و(تصحح) كراسة الإجابة.. وتراجع تقارير المُنظّمات والخبير الدولي لحُقُوق الإنسان الذي يزورنا بين الفينة والأخرى لمُراقبة (ذمتنا) الإنسانية.. ويتأكّد من صيانة حُقُوق إنساننا السوداني..
حُقوق الإنسان ملفٌ (داخلي) تفتيشه بواسطة الأجانب أشبه بتفتيش (ملابسنا الداخلية).. عيب قومي كبير.. كان الأجدر أن نتولّى صيانة حُقوق إنساننا السوداني لكونه يستحق.. فهو كريمٌ ومُحترمٌ بما يكفي لرفعه فوق كل الانتهاكات ومَا يُسيئ إليه.. لكن الواقع على نقيض ذلك.. تبدو الحكومة وكأنّها لا تحترمنا إلاّ بما يكفي – بالكاد- لرفعها من قوائم الشجب والإدانة الدولية.. لا أكثر..
أسألكم بالله.. كم دولة في العالم مثلنا.. مشغولة حتى النخاع.. ويحج وزير عدلها على رأس وفد كبير في العام مرّتين إلى جنيف ونيويورك لـ(مباصرة) ملفنا في حُقوق الإنسان.. ونفرح لمجرد أننا نجونا من السقوط في (الفصل الرابع)..
كم في العالم شعبٌ مثل شعبنا في كريم خصاله وتسامحه وسلميته.. فأعطوني سبباً واحداً يُبرِّر أن تكون حكومة مثل هذا الشعب.. في حاجة للدفاع عن سجلها في حُقُوق الإنسان..
نحن شَعبٌ مُسالمٌ.. مَحفوفٌ بكثير من قيود العيب الاجتماعية التي لا تجبله على اقتراف الشرور بما يستوجب قهره وكبته ومُمارسة أيِّ قسوة أو شظف في حُقُوقه الأساسية.. فلماذا حكومتنا ومنذ حوالي (27) عاماً منذ مجيئ الإنقاذ تكابد حالة الإدانة الدولية المُزمنة في ملف حُقُوق الإنسان.. أعطوني سبباً واحداً يجعلنا نسقط في مادة (حُقُوق) الإنسان دولياً..
لن ينصلح ملفنا في حُقُوق الإنسان إلاّ عندما يتحوّل ملف حُقُوق الإنسان من وزارة الخارجية.. إلى وزارة الداخلية.. أن يصبح شأناً داخلياً..
ويا وزير عدلنا... عيب والله كبير.. مجرد سفركم إلى (جنيف)!! فزملاؤك وزراء العدل في الدول الموفورة الاحترام لإنسانها يكلون الأمر لسفرائهم في جنيف..
لماذا.. حُقُوق إنساننا هَــــم عالمي..
عيب.. والله عيب.. أن يفتش العالم ملابسنا الداخلية!!
التيار
تعليقات